19/02/2012 - 01:17

عند باب الشام...واقع «هنا» حلم «هناك»| لقاء مع معتز ابو صالح

المسرحية مليئة بالتوتر المتزايد بين إبراهيم ويوسف، صديقا الطفولة، ففي تلك الليلة ومن ذلك المكان سوف يودع إبراهيم صديقه يوسف، كي يخرج من كثافة الحدود في رحلة طويلة نحو بلد بعيد على أمل أن يحصل على جواز سفر أجنبي من أجل الدخول إلى الشام التي تبعد عنهم خطوات قليلة، لكن سرعان ما يتحول الوداع إلى صراع مؤلم، يحاول يوسف من خلاله أن يُقنع إبراهيم بالبقاء.. لكن دون جدوى.

عند باب الشام...واقع «هنا» حلم «هناك»| لقاء مع معتز ابو صالح

 

يستعد طاقم مسرحية "قمر على باب الشام" هذه الأيام بالتحضيرات والمراجعات الأخيرة لعرض العمل الجديد للكاتب الجولاني معتز أبو صالح، وخلال هذه الاستعدادات سنحت لي الفرصة بأن أشاهد إحدى المراجعات وأن ألتقي بالكاتب قبيل انطلاق العمل وانكشافه على الجمهور نهاية الأسبوع القادم.

 

 
يصف أبو صالح المسرحية بأنّها "قصيدة جولانية لكنها كونية تحكي عن وجع كل جولاني لكنها أيضًا تلامس كل شخص يعيش جدلية الحلم والواقع"، فهذه المسرحية التي تجري أحداثها في بقعة ما على الحدود، حيث يودع إبراهيم صديقه يوسف الذي قضى معه عشرين عامًا في السجون الأمنية بتهمة التجسس لصالح وطنهما السوري، الشام يبعد أمتار لكنه المكان ذاته أيضًا، بين ال"هنا" وال"هناك" تحبك أسئلة وحوارات المسرحية وجدليتها.
 
يحكي معتز عن فكرة المسرحية، التي عُرضت في السابق في الجولان بإنتاج مسرح "العيون" وأخرجتها آمال قيس – أبو صالح (زوجته)، إذ عالجت في حينه قضية شباب الجولان الذين يذهبون لدمشق من أجل الدراسة الجامعية وتبحث في سؤال الوطن القريب والبعيد في نفس الوقت، الواقع والمجهول، الوطن والاحتلال والذاكرة الجماعية. لكن تمّ تجديد هذا العمل حيث تبناه مسرح الميدان، وتحول بطليه من شابين عمرهما 18 عامًا إلى صديقين في الخمسين من العمر يلتقيان في بقعة ما في الجولان، حيث الأسرار والذكريات.
 
- المخرج معتز أبو صالح -

عن معنى الحدود
"أثارني شعور أن تلتقي فجأة بهذا الوطن، كيف يكون الشعور عندما تذهب لوطنك القريب – البعيد وتلتقي بشعبك؟ كيف تكون ردة الفعل؟ هل هو خوف؟ شغف؟ أم قلق؟" يقول معتز عن جدلية ال"هنا" وال"هناك" ويضيف "الهنا تعبر عن الواقع والهناك يعبر عن الحلم والمكان الذي تطمح أن تكون فيه، هذه لعبة كل إنسان.. فالقضية ليست فقط قضية حدود سياسية، بل قضية حدود نفسية، هنالك حصار خارجي وحصار داخلي لدى كل إنسان، والحدود تأتي في المسرحية رمزية أكثر مما هي جغرافية".
 
سؤال ال67 والأساطير
يشير أبو صالح إلى الإنسان، ومع تقدم الزمن، يفهم الماضي بشكل لم يعرفه  "عام 1967 يعتبر موقع تطور للأحداث، وتاريخ إشكالي لكل إنسان عربي بالأخص الفلسطيني والجولاني، فسؤال ما حدث عام 67 نسأله بشكل دائم على أنفسنا، ومع الوقت تتطور الإجابة، وفي المستقبل سوف يُكشف ملفات عما حصل عام 67، عام الهزيمة والتي سٌميت نكسة".
 
ويضيف أبو صالح "أعرف أن مصطلح "خم ال67" والذي يُذكر المسرحية هو مصطلح قاسٍ، لكنه حقيقة، كأنها أسطورة نضال كاملة خُلقت من هذا التاريخ مع غياب تفاصيل كاملة تمنعنا من تقييم ما حصل عام 1967".
 
وأضاف "لا أعتقد أنه حصل حرب عام 67، بل اعتبرها صفقة ال67، كان اتفاقًا أكثر مما هو حرب، ونحن في الجولان وضعنا هكذا نتيجة اتفاق وليس حرب، الإجابة على هذه المعادلة تحتاج إلى العديد من التفاصيل والكثير من الوقت، ما حصل عام 67 جعلنا نعيش في واقع معين يجعلنا نحلم بالوصول إلى الشام قلب سوريا النابض. كما يبدو أن أُغنية "يا شوفير دوس دوس" سوف ترافقنا طويلا ونأمل أن تصل الشاحنة مع ركابها إلى الشام".
 
صراع الوداع
المسرحية مليئة بالتوتر المتزايد بين إبراهيم ويوسف، صديقا الطفولة، ففي تلك الليلة ومن ذلك المكان سوف يودع إبراهيم صديقه يوسف، كي يخرج من كثافة الحدود في رحلة طويلة نحو بلد بعيد على أمل أن يحصل على جواز سفر أجنبي من أجل الدخول إلى الشام التي تبعد عنهم خطوات قليلة، لكن سرعان ما يتحول الوداع إلى صراع مؤلم، يحاول يوسف من خلاله أن يُقنع إبراهيم بالبقاء.. لكن دون جدوى.
 
السخّان...كرمز
يتصل يوسف مع والدته كأنما يُفهم من الحوار أن أمه تسأله هل تُشغل له السخان كي يستحم، لكن السخان يرمز لحالة التوتر بينهم وانفتاح الفضاء الذي يتجاوز حدود الاحتلال إلى الحدود القابعة في أعماق كل منهما، كما يقول معتز، فتتحول رحلة إبراهيم المزعومة إلى رحلة لا نهائية في تلك البقعة الصغيرة على الحدود المليئة بالألغام التي يحاول إبراهيم اجتيازها.
 
الذئب والقمر
معتز متأثر بشخصية الذئب الذي يعوي كلما شاهد القمر اعتقادًا منه أنّه يعوي للحلم ويصرخ نحو الحلم ويناشد الحلم أن يقترب منه، ونرى من خلال المسرحية عملية اقتراب الإنسان للحلم واستجابة الحلم للإنسان، فالقمر هو النافذة الوحيدة للدخول نحو الشام.
 
سلمى؛ الحب المشترك
وتأتي سلمى لترمز للوطن وكامرأة مشتركة بين يوسف وإبراهيم، فهما مشتركان في الحب أيضًا، وليس في الوطن والحلم فقط، لكن سلمى انتظرت الاثنين طويلا وأصيبت بالعقم مع تقدم العمر، إذ يعتبر أبو صالح هذا العقم موجود فينا قبل أن يكون موجودًا في الأنظمة، إذ أنّ على الإنسان قبل أن يتحرر من الاحتلال والقمع عليه أن يحرّر نفسه ويفهم معنى الحرية المطلقة.
 
- مكرم خوري وغسان عباس خلال المراجعات (خاص عــ48ـرب) -

"نحن نتعلم اليوم الدروس من الثورات العربية، ففي مصر مثلا عندما تنحى مبارك فرحنا وقلنا إن الحرية أتت بعد هذا التنحي، لكن القوى التي ستحكم مصر الآن ليست هي القوى التي نطمح لها، واكتشفنا أن هنالك عقلية وذهنيات وغيبيات ما زالت موجودة، فالتحرر من القيود المجتمعية يحتاج إلى الكثير من الوقت، خصوصًا أن هذه الأنظمة وعلى مدار سنوات طويلة منعت الإنسان من التحرّر، وهذا بالنسبة لي في المسرحية العقم في الذهنية".
 
ال "هناك" اليوم
يختم أبو صالح حديثه معنا بما يجرى في سوريا هذه الأيام معتبرا أن في أي ثورة تحصل هناك مصالح خارجية مختلفة تريد أن تتدخل، أمر يجعلنا ننسى أن هناك شعب منتفض يطمح للحرية من نظام الحاكم الفرد الذي لم يعد لديه شرعية في هذا الزمن. وتساءل معتز: كم نحن نربح أو نخسر من هذا التدخل الحاصل، وهل الدعم الخارجي سوف يحقق أهداف ما خرج له الشعب؟ يجب على الشعب السوري أن يراهن على نفسه فقط، هذه ثورة باهظة الثمن وليست بسيطة البتة، الثورة بدأت اليوم والأحداث الكبيرة سوف نشهدها من الآن وصاعدا مع أن ذلك سوف يكلفنا الكثير من الدم والجوع والفقر والقتل وبشكل لا يوصف".
 
 
حوار داخلي بعد المراجعة
بدت لي المسرحية، بعد مشاهدتي للمراجعة، غامضة بعض الشيء، ربما لأنها كانت أول مراجعة مسرحية أشاهدها حيث اعتدت مشاهدة المسرحيات المكتملة، ولأن الديكور لم يكن جاهزة كما كانت دون إضاءة، لكن أفكارها وحالاتها حاورتني، فلم استطع أن امنع نفسي من التساؤل، بعد المراجعة، كم هنا وهناك يوجد في حياتنا؟ المسرحية قد تحاكي أهل الجولان بشكل مميز، لكنها تحاكي كل واحد فبنا وخصوصا نحن الفلسطينيين، كم هنا وهناك يوجد في حالتنا الفلسطينية؟ بين واقعنا وأحلامنا؟ وما مدى كثافة الحدود التي بيننا، وكم منا يقرّر كسر هذه الحدود؟ كيف سنشعر عند كسرنا لهذه الحدود؟ ما هو الثمن الذي سندفعه؟ هل نجرؤ على ذلك.. تذكرت حينها أحداث 15 أيار واللاجئين الفلسطينيين الذين دخلوا الجولان.. إنها بحق مسرحية كونية.
 
________________________________________________________________________________
 
قمر الشّام يطلّ على حيفا في الأسبوع القادم
 
مسرح الميدان يقدّم باكورة أعماله المسرحيّة للعام 2012: "قمر على باب الشّام  العرضان الأولان للمسرحية يومي الجمعة والسّبت 24 و 25 شباط 2012
 
بعد شهرين من التحضيرات المكثّفة والمراجعات الطويلة، يفتتح مسرح الميدان باكورة إنتاجاته المسرحيّة للعام 2012 بالعروض الأولى للمسرحيّة "قمر على باب الشّام" للكاتب الجولاني معتز أبو صالح، والذي أعدّه أخرجه الفنّان المسرحيّ خليفة ناطور ويشترك في التمثيل عملاقيْ المسرح العربي المحليّ؛ مكرم خوري وغسّان عبّاس.
 
"قمر على باب الشّام" هي مسرحيّة مميّزة بكل العوامل الفنيّة والإبداعيّة التي تركّبها من ناحية النص والإخراج والتمثيل والتصميم، وتتناول مواضيع اجتماعيّة ونفسيّة ووطنيّة في نفس الوقت، حيث أنها تستعرض قصّة صديقيْن جولانيين أمضيا أكثر من عشرين عامًا في السجون الإسرائيليّة لأسباب سياسيّة.
 
بينما يحلم إبراهيم أن تطأ قدماه مرّة أخرى أرض الوطن الأم سوريا الذي انفصل عنها مرغمًا قبل عشرات السنين ويفصل بينها وبينه شريط حدوديّ يبعد عنه مترًا واحدًا، يحاول صديقه يوسف إقناعه بالبقاء هنا ويحاول إقناعه بسبل شتى؛ مرّة بالترغيب ومرّة بالترهيب، فتخلق المعضلة الأبدية ما بين هنا وهناك.
 
تكشف مسرحيّة "قمر على باب الشّام" المأزق الذي يعيشه الأسرى السياسّيين الجولانيّين بشكل خاص، والأهالي في الجولان بشكل عام، والتخبّطات وخيبة الأمل الدائمة النابعة من الحالة الكونيّة الخاصّة التي وُضعوا فيها بعد احتلال الجولان.
 
المسرحيّة "قمر على باب الشّام" من تأليف معتز أبو صالح، إعداد وإخراج خليفة ناطور، تمثيل مكرم خوري وغسّان عبّاس، تصميم أشرف حنّا، إضاءة فراس روبي، موسيقى ريمون حدّاد، ومساعدة مخرج خلود طنّوس، وهي من إنتاج مسرح الميدان.
 
تعرض المسرحيّة للمرّة الأولى يومي الجمعة والسّبت 24 و 25 شباط 2012 في تمام الساعة 20:30 في مسرح الميدان.

التعليقات